يبحث الكثيرون عن أفضل الطرق التي يستطيعون باتباعها الحفاظ على صحتهم وتجنُّب الأمراض، ومن أبرز هذه الطرق تناول الفيتامينات التي يظنون أنها عادة صحية إيجابية، مما يجعلهم يتناولونها دون نظام معين أو وصفة طبية.
وربما يتغاضون عن ذلك؛ لاعتقادهم أن الفيتامينات الإضافية ستخرج بسهولة في البول، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من الفيتامينات غير الضرورية بالنسبة لهم، يكونون عرضة للإصابة بأضرار صحية أكثر خطورة من المنافع التي كانوا يرجونها.
بأدلة واقعية.. الأضرار قد لا تُحمد عقباها
عند الحديث عن أمور طبية مثار حولها الجدل يفضل الإتيان بأدلة واقعية تثبت وجهة النظر، ومن الأدلة على خطورة تناول الفيتامينات دون وصفة طبية واقعة يسردها لنا طبيب التشريح والجراحة كريس فان توليكين، وتعود أحداثها إلى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1912م، عندما انطلق فريق استكشافي مكون من ثلاثة رجال و16 كلبًا في رحلة من قاعدة نائية في شرقي القارة القطبية الجنوبية؛ لاكتشاف سلسلة من الأخاديد التي تبعد بضع مئات من الأميال.
وبعد ثلاثة أشهر فقط لم يعد من الفريق سوى رجل واحد اسمه دوغلاس موسون، والذي كان جلده يتقشر وشعره يتساقط، بالإضافة إلى فقدانه نصف وزنه تقريبًا، نستطيع اقتفاء سر ما حدث عندما نعلم أنه بعد شهر واحد من بداية الرحلة، انزلق أحد الرجال الثلاثة مع ستة كلاب في أخدود من الأخاديد ومعهم الخيمة وأغلب المعدات والمؤن الغذائية، ولم يعثر لهم على أثر، وقد أدى ذلك بالرجلين المتبقيين إلى التغذي على الكلاب.
لكن الأمر لم يكن مأمون العواقب، فبعد بضعة أسابيع ظهرت على ميرتز رفيق دوغلاس أعراض المرض المتمثلة في الإسهال وآلام المعدة، إلى جانب تقشر جلده وتساقط شعره، ليلقى حتفه بعدها بأيام بعدما زاد على هذه الأعراض سلس البول والهذيان.
ما علاقة ذلك بالفيتامينات يا تُرى؟ العلاقة تتمثل في أن الأعراض التي ظهرت على الرجلين، تنطبق بشكل مقارب جدًا لأعراض تناول جرعة زائدة من فيتامين «أ»، وهو ما نتج عن تناولهما كبد الكلاب التي ذبحاها، فتناول أقل من 100 غرام من كبد كلب الإسكيمو يعد جرعة قاتلة، ورغم أن دوغلاس عاش بعد الرحلة حتى بلغ 76 عامًا، إلا أن ما حدث له يدعونا للتصرف بحذر تجاه تناول الفيتامينات بشكل عشوائي. كبسولات فيتامينات – صورة أرشيفية.
غالبًا ما يتمثل مصدر الاهتمام المبالغ فيه تجاه تناول الفيتامينات، في القصص المخيفة التي تُروج عن مشكلات نقصها، وأيضًا الدعاية التجارية لبعض الأغذية مثل الكورن فليكس، وما يُكتب على علبها من معلومات عن القيمة الغذائية الغنية بما تحتويه من فيتامينات، وأيضًا وجود بعض العلماء الذين يروجون لتناول الفيتامينات بشكل زائد مثل «بلينوس بولينغ» عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل مرتين، الذي كان يدعو لتناول فيتامين سي بجرعات تفوق الحاجة.
من جانبه يؤكد الباحث ريجان بيلي في المعهد الوطني للصحة في أمريكا، على أن فكرة تناول الأمريكيين للفيتامينات يوميًا من أجل تحسين حالتهم الصحية ليست فكرة الأطباء، فمعظم الدراسات العلمية لا تؤيد دور المكملات الغذائية في التمتع بصحة أفضل أو الوقاية من الأمراض.
ومن هذه الدراسات دراسة منشورة في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية عام 2009م، جاء فيها أن المكملات الغذائية ارتبط تناولها بزيادة وفيات النساء الأكبر في السن، وتحديدًا فيتامين ب 6 وحمض الفوليك والمغنيسيوم والزنك والنحاس.
4 فيتامينات لا تتناولها فترات طويلة
هناك بعض الفيتامينات التي تزيد خطورتها عن الفيتامينات الأخرى ولذلك يُحذر تناولها دون وصفة طبية ومنها:
1- فيتامين «ج»
اُكتُشِف فيتامين «ج» عام 1930م، فقد كان البحارة القدماء الذين يسافرون فترات طويلة يصابون بمرض الأسقربوط نتيجة نقص هذا الفيتامين، الذي يوجد بنسبة عالية في الثمار الحمضية، ويأخذه الكثيرون بالذات في فصل الشتاء اعتقادًا منهم أنه يحمي من الزكام، ولكن لا يوجد دليل علمي يؤكد ذلك. يوجد فيتامين «ج» في الثمار الحمضية – صورة أرشيفية.ترتبط الجرعات الكبيرة من فيتامين «ج» بزيادة احتمالية الإصابة بحصى الكلى والتهابات المفاصل، بالإضافة إلى الإسهال الحاد والغازات، ويصل الأمر أحيانًا إلى التسمم الغذائي.
2- فيتامين «أ» ومركبات البيتاكاروتين
تُسوق فيتامينات «أ» و«ج» و«هـ» على أنها مضادة للأكسدة وتساعد في الوقاية من مرض السرطان، لكن رغم ذلك فلا يوجد دليل مُثبت يؤكد أن تناولها كمكملات يساعد في الحماية في السرطان، ليس هذا فقط ولكن أشارت دراسة لمؤسسة السرطان الوطنية في أمريكا أن المدخنين الذين يتناولون مكملات فيتامين «أ» ترتفع احتمالية إصابتهم بسرطان الرئة أكثر من الذين لا يأخذونه، وطبيًا فإن التركيز الزائد عن الحد من فيتامين «أ» يمكن أن يميت الشخص، وذلك بعد أن تظهر عليه أعرض سميته المتمثلة في اضطراب الرؤية والصداع والغثيان وفقدان الشعر.
3- فيتامين «هـ»
يُصنف فيتامين «هـ» على أنه من المضادات القوية للأكسدة، ولكن تناوله لا يخلو من المخاطرة فقد أُجريت دراسة عام 2011م شملت أكثر من 35 ألف رجل، وتوصلت إلى أن احتمالية الإصابة بسرطان البروستاتا ترتفع لدى الرجال الذين يتناولون مكملات فيتامين «هـ»، كما وجدت دراسة أخرى أجرتها جامعة «جونز هوبكنز» أن احتمال الوفاة يزيد عند متعاطي فيتامين «هـ» لتأثيره السلبي المتمثل في زيادة خطر الإصابة بقصور القلب.
4- فيتامين «ب 6»
يُطلق عليه أيضًا البيرودوكسين ويتوفر في أطعمة كثيرة، ولكن البعض يأخذونه كمكمل غذائي فترات طويلة، وأضرار ذلك شديدة الخطورة، وتؤكد عليها المؤسسة الوطنية للصحة الأمريكية التي ذكرت أن تناول كميات كبيرة من فيتامين «ب 6» فترات طويلة، يؤدي إلى حدوث أضرار حادة في أعصاب الشخص، تصل إلى فقدانه السيطرة والتحكم في حركات جسمه.
إذا ما اتبعت هذه التعليمات فستكون في مأمن من الخطر
بالتأكيد هناك فوائد للفيتامينات إذا ما أُخذت وفق نظام محدد لسد نقصها في الجسم، وذلك بعد إجراء التحليلات اللازمة، فمنظمة الصحة العالمية تنصح أن تكون الجرعات محددة للغاية، كما حذرت من أن زيادتها تُحدِث مشكلات صحية، لكن بشكل عام هناك بعض التعليمات التي يمكن باتباعها أن يتقي الشخص ضرر الفيتامينات إذا ما اضطُر لتعاطيها:
1- العودة إلى الطبيب قبل أخذ أي فيتامين: يظن البعض أنه يمكنهم تناول الفيتامينات دون أي وصفة طبية، ولكن هذا ليس صحيحًا، فأخذ الفيتامينات بكميات لا تتناسب مع حاجة الجسم لها يسبب مشاكل صحية مختلفة، في مقدمتها الإسهال والغثيان والطفح الجلدي، بالإضافة إلى مشاكل الكلى والجهاز الهضمي، وقد يصل الأمر إلى أن تناول المرأة الحامل كميات زائدة من فيتامين «أ»، يؤدي إلى الإجهاض أو تشوهات الجنين.
2- عدم تناول الفيتامينات دفعة واحدة: هناك عادة خاطئة شائعة بأخذ المكملات الغذائية المحتوية على الفيتامينات دفعة واحدة بعد إحدى الوجبات اليومية، والخطورة هنا تتمثل في أن بعض الفيتامينات تتعارض في عملها وينتهي الأمر بعدم الاستفادة منها جميعًا، ومن الأمثلة على ذلك أن الحديد يتعارض تناوله مع الكالسيوم، ولذلك ينبغي الانتظار أربع ساعات على الأقل بين تناولهما، إلى جانب تناول فيتامين «س» مع الحديد لدوره الفعال في امتصاصه بصورة أفضل.
3- الدقة عند تعاطي الأطفال للفيتامينات: السبب وراء ذلك أن تناول الطفل كميات كبيرة من الفيتامينات سينعكس عليه في زيادة شهيته، وبالتالي سيأكل أكثر مما يتسبب في زيادة الوزن. صورة أرشيفية.
4- الالتزام بالطريقة المُثلى لتناول كل فيتامين: من الأمثلة على ذلك الأوميغا 3 الذي يجب تناوله بعد الطعام فقط، ويُمنع تناوله عندما تكون المعدة فارغة؛ لأنه من المكملات الغذائية الدهنية التي تُمتص بسهولة أكبر من خلال المواد الدهنية الأخرى الموجودة في الطعام، أما الحديد فينبغي عدم تناوله مع منتجات الألبان والبيض والقهوة، والأطعمة الغنية بالكالسيوم عمومًا؛ لأن الكالسيوم مُضر بعملية امتصاص الجسم للحديد، والتي تتم بشكل أفضل مع الأغذية المُشبعة بفيتامين «ج» مثل البرتقال والليمون والكيوي، وبالنسبة للكالسيوم فيُفضل تناوله مع المواد التي تحتوي على فيتامين «د» الذي يساعد على امتصاصه.
أخذ الفيتامينات من مصادرها الطبيعية سيكون أفضل
أكد المركز الطبي للبحوث في العاصمة التشيكية براغ على أن الإنسان عند تجاوزه سن الأربعين يبدأ جسمه في فقدان بعض الفيتامينات الضرورية ويحتاج حينها إلى تنوع غذائي طبيعي، أما إذا ما ظهرت بعض الأعراض الصحية السلبية عليه فعليه إجراء فحص مخبري بسيط تُحدد من خلاله الفيتامينات الناقصة عنده.
ومن أهم الفيتامينات التي يفضل تناولها من المصادر الغذائية الطبيعية: فيتامين «أ» و«هـ» اللذان يساعدان في تحسين قوة اللثة وامتصاص الحديد وشفاء الجروح، إلى جانب تقوية الجلد، ويوجدان في الجزر والبطاطا والقرع والليمون والجريب فروت والسبانخ، وكذلك المشمش والبروكلي، ومعظم الخضروات الداكنة. الفيتامينات والخضروات – صورة أرشيفية.بينما يوجد فيتامين «ج» في البرتقال والخضروات الداكنة الطازجة مثل البروكلي، ومن المثير للاهتمام أن تناول عصير البرتقال المحفوظ لا يساهم بأي شكل في أخذ فائدة فيتامين «ج»؛ لسرعة تأثره بالهواء والحرارة والضوء.
وإذا ما كان هناك نقص في فيتامين «د» يمكن تعويضه بالتركيز على تناول بعض الأطعمة مثل الأسماك الدهنية والتي تشمل أنواعًا معينة كالسردين والسلمون والتونة، وأيضًا زيت السمك وكبد البقر والبيض.
خدعوك فقالوا.. الفيتامينات تقي من الأمراض
على العكس تمامًا لا يؤدي الإفراط في تناول الفيتامينات إلى الوقاية من الأمراض، إنما في بعض الأحيان يؤدي ذلك للإصابة ببعضها، فوفقًا لدراسة منشورة في مجلة «جورنال أوف كلينيك» الأمريكية، فإن تناول الفيتامينات بزيادة يؤدي للإصابة بسرطان وأمراض القلب على المدى البعيد، فقد وجدت الدراسة أن تناول المدخنين فيتامين «هـ» بجرعات كبيرة فترات طويلة يزيد فرصة إصابتهم بسرطان الرئة، كما أن الإكثار من تناول فيتامين «ب 6» ينتج عنه زيادة معدل ضربات القلب وضعف العضلات وتفاقم مشكلة الربو، وأيضًا انخفاض ضغط الدم، كما يمكن أن يتداخل مع عمل الأدوية المُعالجة للتوتر والزهايمر. تناول الفيتامينات – صورة أرشيفية.
إنشر
وحذر العالم البريطاني «جيمس واتسون» الحاصل على جائزة نوبل مصابي السرطان من تناول حبوب الفيتامينات المتعددة التي تحتوي على مضادات للأكسدة؛ لأن ذلك يمكن أن يعيق علاجهم، مؤكدًا أن هذه الحبوب أضرارها أكبر من نفعها، وفسر «واتسون» ذلك بأنه عند تعاطي تلك الفيتامينات تُفرز مستويات عالية من مضادات الأكسدة، توقف عمل بعض العلاجات مثل العلاج الكيميائي والإشعاعي.
كيف تحافظ على صحة عقلك؟
كما أظهرت دراسة أُجريت في جامعة «كولورادو» الأمريكية أن تناول الفيتامينات دون وصفة طبية يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب، فقد وجد الباحثون أن الذين تناولوا الفيتامينات والمعادن أكثر من غيرهم كانوا عرضة للمشاكل الصحية بنسبة أكبر، ومن الأمثلة المذكورة تأثير زيادة تناول حمض الفوليك الذي يُعتقد أنه يُقلل الأورام الحميدة في القولون ويمنعها من الوصول لمرحلة التسرطن، فقد كانت النتيجة عكسية عند تناوله بشكل عشوائي، وأدى ذلك لإصابة متعاطيه بأورام حميدة في القولون، بنسبة أكبر من الأشخاص الذين لم يتناولوها.