التخطي إلى المحتوى

 اليمن جاهز للتقسيم.. والبداية قد تكون لقاءات الكويت

 

تفاصيل  تقسيم اليمن ، من اصعب المقالات التي يمكن ان يكتبها  صحفي عن بلده. وبعيدا  عن الشعور  بالغصة، فان متابعة  تفاصيل قصة “تقسيم اليمن”  تقلب الصفحات،  لتعيدها  لاول سطر كتب فيه خبر اندلاع الحرب “عاصفة الحزم” .

الحرب التي  اندلعت  فجاة، سبقتها  حروب داخلية ، بعد الانتهاء مباشرة من مؤتمر الحوار، وكانها دورة حياة اليمن،  الانتقال من الحرب الى الحوار والعكس.

المؤتمر الشهير  شهدت جلسته  الختامية  خلافات حادة، بسبب  التصويت على  وثيقة  “تقسيم اليمن الى اقاليم” ، حين  رفض الحوثيون مشروع وثيقة التقسيم  الى ست اقاليم  في بداية العام  2014  ، الاختلاف كان على طريقة التقسيم وليس على مبدأ التقسيم.

و نحن الان في مؤتمر الكويت، بعد عامين على الازمة ، حيث يُفرد ما تبقى من اليمن على طاولة التقسيم مجددا ، حيث تطرح احدى الاقتراحات تقسيم اليمن الى ثلاث اقاليم، والاقتراحات الاخرى   تؤكد ان اليمن القادم هو يمن “اتحادي” مقسم الى اقاليم، باتفاق كل الاطراف المتحاربة.

فمحطة الكويت  هي مفاوضات التقسيم  لاتمام  المحاصصة ، بعدما  فرض كل طرف موقعه كما يجب على الاض بالقوة، بعد رفض مناقشة الامر في قاعة مؤتمر الحوار بالنقاش، اختاروا تاخير المناقشة عامين، وخوض حرب خاسرة للجميع، و العودة لمناقشة الامر بعد تغيير خارطة الصراع.

هذه الطريقة اليمنية في ادارة امور السياسية، كلفت اليمن مستقبلها ودمرت  حاضرها ، واكدت ان لا جديد في المسودة المقدمة لمؤتمر الكويت، نفس الوجوه ونفس المشكلة، ونفس طريقة الحل.

فالمشكلة وقتها كانت : ان بعض الاطراف رفضت الحصة المخصصة لها، فقد كانت الخطة المطروحة تقسيم اليمن الى ست اقاليم. و كانت الحكومة مناصفة وقتها  بين المؤتمر الشعبي العام الذي هو حزب “علي عبد الله صالح”، وبين احزاب المشترك وخاصة “حزب الاصلاح الاسلامي” او الاخوان المسلمين. ولم يكن للحوثيين هذا التواجد القوي كان ينظر لهم كأقلية، طبعا لم يعد الامر كذلك الان.

كان الحوثيون والحراك الجنوبي خارج السلطة، سلطة ما بعد ثورة 2011 ، وهذا الشكل من التوافق  تم وفق المبادرة الخليجية في الرياض 2012 ،  وتم وقتها استثناء مشاركة الحوثيين و الحراك الجنوبي،  وكلاهما لم ينتخب “عبد ربه هادي” رئيسيا لليمن، في انتخابات بلا مرشحين.

 

تفاصيل القصة اليمنية المدهشة لتقاسم اليمن، بعد العام 2011، بعد استبعاد علي عبد الله صالح من الحكم،  بدأت بصراع القوى القديمة، ثم افرزت قوى جديدة وتصارعت بدورها  فيما بينهما ، بحيث كان “صالح ” دائما جزء من هذا الصراع وهذا الفرز.

 

وحرب سيطرة الحوثيين على كامل اقليم ازال  “شمال الشمال ” من صعده الى حجة ، عمران وانتهاء بصنعاء ” هو جزء من هذا الفرز والصراع، وبمجرد دخولهم العاصمة صنعاء في سبتمر 2015 سجل اول انقلاب على الدولة وحكومة  التوافق وسلطة هادي .

وبدأت مرحلة جديدة،  مرحلة الانقلاب على الدولة، حيث كان الصراع دائما تحت غطاء الدولة، الا ان جاء الحوثي ونزع الغطاء، واصبح الصراع على المكشوف.

 

القصة  الكاملة  لتقسيم اليمن مؤلمة، فيها من الضحايا والالم، و الخيبة والخسارة،  ما كلف اليمن فوق طاقتها، وهي دائما  تتحدث عن  الازمات السياسية، وصراع القوى المسلحة ، وتقاسم الاحزاب وسقوطها، وتعرية الشخصيات السياسية، والفراغ السياسي، والمأزق الذي يمر به شكل الدولة.

شكل الدولة، واحدة من ابرز الاشكاليات التي رافقت مؤتمر الحوار الذي استمر عشرة اشهر ، وانفق المليارات ، ليخرج بهذا الشكل للدولة الماثل امام العالم الان، دولة  اللا دولة ، دولة الدويلات، وامراء الحرب والمليشيات، والتحالفات الوقتيه  والحروب الدائمة، والتدخلات الخارجية.

في البداية عند  توقيع المبادرة الخليجية في الرياض كان  تدخل القوى الاقليمية  سياسيا ، مجرد مراقب لرعاية مؤتمر الحوار والعملية السياسية، بحسب رؤيتها ومبادرتها الخليجية، وكل هذا كان يمهد لتقسيم اليمن، بحسب ادراة الخارج لملف اليمن ، بحسب مصالحه، تقسيم تقطيع الاوصال، وليس توحيد الاجزاء.

تقسيم يؤكد الفروق، ويزيد الشقوق،  ويزيد التدخل الخارجي ويشرع له، ويفرض تواجده، والى ساعة انقلاب الحوثيين على الدولة،  ومن ثم على  المبادرة الخليجية ، و التي لم يكونوا جزء منها، كانت الامور تسير باتجاه التقسيم،  لكن بتوزيع الادوار بحسب خارطة الاقوى والاضعف.

ولان الحوثيين اهل قتال وليسوا خبراء سياسية ، فقد بالغوا بسطوتهم الانقلابية  تجاه دولة ضعيفة،  ورخوه،  وتوجهوا  باتجاه الجنوب، وكان هذا يعني ابتلاع الدولة.

 

ابتلاع الدولة

ابتلاع الحوثيين للدولة كان  نقطة تحول في خارطة التقسيم،  فلابد ان يتم الان  استيعاب  “وحش صعده”،  الذي كبر خلال الخمس السنوات الاخيرة، ولم يعد اقلية ،  ليتم اعادة  رسم خارطة التقسيم بحسب المعطيات الجديدة على الارض.

هناك في الجنوب  الحراك الجنوبي ما يزال  “سلميا”  يعتمد المظاهرات السلمية، وحتى لو كانت مليونية، فانها تبقى بلا تاثير عسكري ولايفرض امره بالقوة “مقارنة بفرض سيطرة الحوثيين على صعده منذ العام 2004” واخراجها من تحت سيطرة الدولة.

ودخول الحوثيين الى عدن ادخلها في  خارطة الاشتباك المسلح، ولكنه لم يعني قوة الحراك الجنوبي، وبرغم زيادة المطالب بالانفصال او فك الدولتين، الان  القوى الاقليمية  الت يلم تعد الان مجرد مشرف او مراقب سياسي، لها راي اخر  .

فهاهو الجيش الاماراتي والسعودي والخليجي يتواجد،  ويحدد حدوده ونقاطه ويرفع اعلامه على الارض اليمنية في الجنوب ومارب، بعد ان حدث التقاسم العسكري بين السعودية والامارات مع الدخول البري لعاصفة الحزم.

فشكل التقسيم،  لكل من الامارات والسعودية مختلف ، فالامارات تركز فقط على “عدن” وتدعم انفصال الجنوب،  وهو الامر الذي لاترحب به السعودية حاليا،  وتذهب لاتهام ايران بدعم الانفصال ، حتى تحبط تحرك الجنوبيين .

فالسعودية هنا ليست  ضد الانفصال،  حبا في وحدة اليمن وسلامة اراضيه، بل لان حصة انفصال الجنوب في هذا التوقيت  ستكون لصالح الامارت، ويمكن القول ان مشروع الامارات في اليمن يعمل ضد مشروع السعودية .

التحالف في اليمن  براسين ،  الرأس السعودي يدعم الاخوان والجماعات السلفية ، بينما الراس الاماراتي يدعم فصائل من الحراك وبعض المليشيا في مارب وتعز، وبهذا تم تقسيم اليمن بالدم.

 

التقسيم بالدم

فالحرب  الدائرة لاكثر من 13 شهر لم تكن الا  وسيلة لترسيم الحدود اليمنية – اليمنية  بدم  اليمنيين، حدود رسمت على الارض بين كل اطراف الصارع الذين يجلسون  الان في الكويت.

 

وقبل تصوير المصافحات الشهيرة التي يخرج بها كل اجتماع رسمي، هناك مصافحات سرية حدثت في السعودية بين الحوثيين والسعوديين.

فقد عاد الحوثيون من السعودية متابطين اتفاقا سريا،  افصحت عنه المواقف، والتسريبات، والتصريحات ،وكذلك المقابلات مع الصحف السعودية.

اتفاق أكد تأمين السعودية لحدودها مع اليمن، وسد الثغرة الحوثية،  فأمنت السعودية حدودها مع الحوثيين، الذي التزموا  بحماية امن السعودية وجدارها الجنوبي، ونزع الالغام من على الحدود،  تمهيدا  لطريق التقاء الاطراف اليمنية في الكويت.

 

انفصال الجنوب

وقبل رفع راية المفاوضات في الكويت، كان حزب الاصلاح الاسلامي يخوض حربا اعلامية مع الحراك الجنوبي ، الذي يحرك مظاهرات مليونية  تطالب بالانفصال.

طبعا  “حزب الاصلاح” لا يود لهذا الانفصال ان يحدث ،  لانه يخرجه من دائرة التاثير في الجنوب، وهنا نذكر  ان علم الامارات مازال  مروفوعا  في الجنوب  و “عدن” ، وهنا يكون الجنوب وخاصة عدن  النقطة الملتهبة في خارطة التقسيم، والتي لم يتفق بشأنها بعد.

انها  المدينة المرشحة للانفجار، لانها الان اكثر مدينة يتم التصارع حولها، اكثر من صنعاء نفسها ، فما يحدث من صراع على الجنوب ، بين القوى الاقليمية والمحلية، يضاف اليه  توجس  الامارات من الاخوان المسلمين “حزب الاصلاح”،  والمعارك الاعلامية التي نشبت بينهم مؤخرا ، والتي تظهر على السطح مع كل جولة.

فيبدو ان صراع الاخوان والاماراتيين سيكون مسرحه الجنوب، في حين قد يؤخر هذا مطالب الحراك الجنوبي بالانفصال ، وهو حراك بدا من العام 2007

كل هذا يوضع على طاولة الكويت، بحيث يتقاسم الجميع طريقة افراغ المشكلات من محتواها الاجتماعي، والتركيز فقط على المصالح السياسية، ان اتفاق المتفاوضين باختصار  يعني تقسيم اليمن، وعدم اتفاقهم يعني استمرار الحرب الداخلية والخارجية.

فان اتفقوا قسموا البلد، وان اختلفوا دمروها،  والتقسيم طبعا لا يعني اسدال الستار على اخر مشهد في الصراع اليمني ، ولكنه يعني استراحة حرب،  لاعادة ترتيب امور الاقاليم، وفي حال عدم فصل “عدن”  كاقليم مستقل كعاصمة لدولة الجنوب، سيبقى الصراع مشتعلا.

 

شبح القاعدة

وهنا مادمنا في الجنوب ، علينا الالتفات لواحدة  من اهم اطراف الصراع الدموي وغير الممثل على  طاولة الكويت، انها الشبح او الوحش غير المرئي “القاعدة ” التي يخافها الجميع، ويحاربها الجميع، وينكرها الجميع.

الجماعات المسلحة المتطرفة، والتي تثير وحدها ، تخوف امريكا،  و كانت احدى الملفات المشتعلة،  والتي ضغطت على السعودية لايقاف حربها في اليمن.

فالحرب على القاعدة لم تبدأ بعد، برغم ان القاعدة بدات حربها ورسمت حدودها، ورفعت اعلامها، وحددت خصومها، ضمن خارطة يمن مقسم سلفا.

 

فاليمن فعليا تم تقسيمه، وكل طرف مسلح رفع علمه على المناطق التي وصل وسيطر عليها ، ثم توجه الجميع  الى طاولة المفاوضات، لتوثيق الامر، فهل يتم؟

هل تتفق الحكومة  الشرعية ، مع القوى التي فرضت شرعية الامر الواقع، وتتقاسم السلطة معها.. فتتقاسم الحكومة والانقلابيين  اليمن.

 

دولة التقسيم الطائفي

التقسيم لايعني التعايش، ولا حسن الجوار، والدولة الاتحادية لا تعني التعاون، انه احدى فقرات تنظيم تقاسم الثروة، لان الدول الاتحادية لا تقسم بين امراء الحروب، والعصابات والمليشيا

الدول الاتحادية المحترمة، لاتجاهر  بالعداء الطائفي والتحريضي المناطقي ، وتشن حروب الكراهية داخل الوطن الواحد، ولا تخترق القانون الانساني وتشرع لجرائم الحرب.

الدول الاتحادية لا تقوم  على اساس طائفي،  لترفع الدولة  علمها  فقط على المناطق التي لاتتفق مذهبيا مع الحوثيين، انه تقسيم طائفي بامتياز، يؤكد انها ليست دولة بالاساس ،  لتكون دولة اتحادية.

انه تقسيم يسلم اليمن رسيما للحوثيين كجزء من السلطة، والحكم ، والثروة، ويشرع للجماعات المسلحة، ويخلق الفوضى الملائمة للقاعدة، ويبيح التدخل العسكري الخارجي،  فالمشكلة الان امام الجميع لم تعد الحوثيين الذين حاربتهم اكثر من عشر دول لاكثر من عام ، المشكلة الان هي توسع  القاعدة بحسب الامارات والسعودية والولايات المتحدة والامم المتحدة، هذا هو العدو القادم في اليمن.

اذا الحرب الان تستعد ان  تنتقل من حرب اهلية عشوائية،  الى حرب وصراع اقاليم منظم، والاكيد  ان الحوثيين اصبحوا جزء من السلطة، بل هم من تنتظرهم السلطة  للبدء بالتفاوض.

انهم  فعليا الطرف الاقوى، والذي فرض شروطه،  وهذه الحرب ومسارها ونهايتها، حتى  بتوجه باتجاه السعودية دون سلاح، فانه عاد كمرشح ان يصبح حليفا جديدا  للسعودية.

فمستقبل الانقلاب في اليمن ان يصبح  جزء من الشرعية، ومستقبل  الشرعية ان تشرع لتقاسم اليمن، وهي التي بقيت اربعة ايام في انتظار الانقلاب، للتتقاسم معه اليمن، وتسلمه رسميا المناطق التي سيطر عليها.

منى صفوان

كاتبة يمنية